]المقدمــــة
الحمد لله الذي خلق هذا الكون وجعل فيه الناس مختلفين في الألسن والألوان، وأصلى وأسلم على الخاتم محمد بن عبدالله الذي جعله الله موحداً للقلوب بعد الفرقة والشتات، وعلى صحابته الكرام الذين وفدوا على النبي صلى عليه وسلم من سائر الفجاج وجاهدوا وناضلوا من أجل نصرة الإسلام.
لقد كنت حائراً في أمر هذه القبيلة التي لم يوثق لها قط، وكانت هنالك بعض الأسئلة التي تدور بذهني وكنت أبحث عن الإجابة عليها دائماً ومنها: من أين انحدرت هذه القبيلة؟ لماذا لم يوثق لها؟ لماذا لم ندرس في مراحل دراستنا عنها؟ هل الذين وضعوا المناهج الدراسية كانوا يقصدونها؟ كنا نسمع بأنها أفضل من يملك الإبل في السودان؟ فلماذا لم تكرم؟ وكنا نسمع بأنها صاحبة الشرارة الأولى للثورة المهدية، فلماذا أجحف في حقها بعض الكتاب الذين كتبوا عن المهدية؟ لماذا هذا التوزيع والانتشار في سبع ولايات من ولايات السودان؟ وهل سبب هذا التوزيع والانتشار البحث عن الماء والكلأ،أم عن طريق المضايقات التي وجدتها القبيلة من قبل الحكم الإنجليزي وبعض الحكومات الوطنية التي تعاقبت على حكم السودان؟.
وأخيراً وجدت الإجابة بأن السبب هو تقصير أبنائها الذين لم يوثقوا لها، لهذا عزمت على أن أكتب عن هذه القبيلة حتي تجد حظها داخل المكتبات ،وماكنت أتصور ،علم الله , رغم ماسمعت وماقرأت وماعرفت ، مقدار المشقة والتضحية التي احتملها علماؤنا الأوائل "رحمهم الله" في سبيل كلمة لغوية واحدة ، أوتصحيح بيت من الشعر أورواية من روايات الحديث الشريف ، بل ماكنت أقدر في عمق وروية ، فضلهم علي اللغة والأدب والبحث ، حتى وجدت بعض ماوجدوا من تعب ونصب ، ودخلتُ فيما دخلوا فيه من صراع عنيف مع الحياة والناس والأشياء ، ورحم الله القائل :
لايعرف الشوق إلا من يكابدة **** ولا الصبابة إلا من يعانيها
لقد كانت طبيعة الكتاب تفرض علي ، وأنا أدرس تأريخ قبيلة ، لم يسبق لأحد علي امتداد التأريخ أن درسها ، أو كتب عنها،أن انتقل إليهم في كل الفجاج،متعرضاً لنبح الكلاب،وعواء الذئاب،متحدياً الطبيعة بسهولها ، ووديانها ، وغاباتها ، وجوها ، ومناخها ، فكانت بداية الرحلة منطقة مرابيع وداللبيح التي تعتبر الموطن الأصلي لهذه القبيلة، ومنها إلى سائر مواطن اللحويين بالسودان الواسع .
ومما دعاني لكتابة هذا الكتاب فقد وجدت كتباً كثيرة، كتبها الكثيرون من خارج المنطقة وبالذات الأوربيون حيث أصبحت كتاباتهم مرجعاً لكل باحث وهناك الكثير من التشويه فيما كتبوه، وعليه فقد حان الوقت لتساهم أقلام أبناء هذه المنطقة لإعادة كتابة التاريخ، والتركيز على الخصائص المحلية وربطها بالتأريخ العام وبالذات الثقافات والعادات وربطها بالجذور.
وعندما فكرت في كتابة هذا الكتاب لم يكن همي النظرة الجهوية أو الدعوة إلى العصبية التي ترفضها النفس السوية والتي نبذها النبي "صلى الله عليه وسلم" وسماها بالنتنة، فنجد النبي "صلى الله عليه وسلم" أفتخر بقبيلته حينما قال: "أنا أفصح العرب بيد أني من قريش وقريش هى أفصح العرب"، وافتخر النبي "صلى الله عليه وسلم" بعشيرته حينما قال: "أنا النبي لا كذب أنا محمد بن عبد المطلب"، لكنه إفتخار محمود تقبله النفس السوية، واستفاد النبي "صلى الله عليه وسلم" من التكوين القبلي الذي كان موجوداً داخل جزيرة العرب، فعليه عليك أن تعلم كما قال الشاعر:
فلاتحســـب الأنســـــــــاب تنجــــيك مـــــــــــن لــــــــــظــــــــي
ولـــــــــــــــو كنــــت مـــــــــــــــن قيـــــــــــــس وعـــــــــــــبد مــــــــــــــــناف
أبولــــهـــــــــــب فـــــــــي الــــــــنار وهــــــــــــــــــــو ابن هـــــــــــــــــشام
وسلـــمــــــــان فــــــــي الفـــــــــــــــــــردوس مــــــــــــن خــــــــراســـــان
وعندما عزمت على هذه الدراسة كانت من باب أن يوثق لهذه القبيلة وأن تصبح لها معالم وسمات تطابق الواقع القبلي الموجود اليوم داخل خارطة السودان والعالم الإسلامي والعالم أجمع.
والتأريخ كما هو معلوم علم وقد أجمع دارسو الاجتماع على أنه علم واجب التدريس، لذلك تحرص الأمم على مختلف مستوياتها في الحضارة أن يكون مادة من مواد التحصيل في كل مراحل التعليم ولن يجدي في محاربة التأريخ القول بأنه أحقاد أو رجعية أو جهوية وإلا فما كان من الممكن أن يعلم الناس شيئاً عن تأريخ أوطانهم، وتأريخ العالم الذي يعيشون فيه، لقد كان القرآن الكريم يحدثنا في كثير من آياته عن القصص ومنه عرفنا قصص الأنبياء وقصص الأمم السابقة.
ولهذا الموضوع أهمية قصوى خاصة أنه يتناول الدور التأريخي لقبيلة لعبت دوراً كبيراً في اقتصاديات هذه البلاد، ودفعت بفلذات أكبادها من أجل أن يصير السودان بلداً مستقلاً بدايةً بالمهدية والحركة الوطنية وإلى يومنا هذا.
لقد تناولت موضوع الكتاب في أربعة فصول وتسعة مباحث وخاتمة وتمهيد، اقتصر الفصل الأول على النسبة والمواقع، واقتصر الفصل الثاني على اللحويين والمهدية، واقتصر الفصل الثالث على نشاطهم الديني والاجتماعي والرعوي والأدبي والزراعي والمهن الأخرى، أي في خمسة مباحث، واشتمل الفصل الرابع على العطاء السياسي. اشتمل الفصل الأول على مبحثين: المبحث الأول: النسبة. المبحث الثاني: المواقع. واشتمل الفصل الثاني على مبحث واحد. واشتمل الفصل الثالث على خمسة مباحث: المبحث الأول: النشاط الديني. المبحث الثاني: النشاط الاجتماعي. المبحث الثالث: النشاط الرعوي. المبحث الرابع: النشاط الأدبي. المبحث الخامس: النشاط الزراعي والمهن الأخرى. واشتمل الفصل الرابع على العطاء السياسي. وأخيراً الخاتمة والنتائج والتوصيات.
قد انتهجت في دراستي هذه المنهج التأريخي التحليلي الوصفي ومنهج المقابلة وذلك بالبحث عن أصحاب الدراية والمعرفة، وكما هو معروف فإن التعليم لم يكن منتشراً بين الأقدمين من آبائنا وأجدادنا حتى يحتفظوا لنا بتأريخ مكتوب ولذا كانوا يتلقون الأنساب والأحداث من آبائهم الذين يلقنونها لهم ويحفظونها عن ظهر قلب وبدقة متناهية ثم يورثونها بدورهم لأبنائهم ونجد إلى هذه الساعة من يحفظ الأنساب والأصول والجذور والفروع وهذا أمر كان معروفاً في جزيرة العرب، وبالتركيز على المنهج التأريخي من تتبع الفكرة حسب التسلسل الزمني لهذه القبيلة للوصول إلى أنها صاحبة مجاهدات في شتى الميادين وذلك لصنع إنسان السودان الرسالي.
إن ندرة المراجع والمصادر كانت السبب الأول في تأخير هذا الكتاب، حيث وجدت عناء ومشقة في سبيل البحث عن مصادر تفي بما أنا بصدده من دراسة ، لكن الحمد لله وفقت في الحصول على بعض أبناء هذه القبيلة وبعض المراجع التي يصعب الحصول عليها.
وختاماً فإن هذا الجهد المتواضع الذي قمت به ما هو إلا قطرة من بحر، أرجو أن يكون حافزاً للدارسين والباحثين من أبناء قبيلة اللحويين والقبائل الأخرى للمزيد من البحث والتنقيب وذلك لربط كل حلقات التأريخ والعادات والأصول والثقافة وغيرها ببعضها البعض، فهذا الكتاب تأريخ مجيد، وقصص رائع، وأدب رفيع.
إذ أراني عاجزاً عن إسداء الشكر اللائق لكل من أعانني في كتابي هذا من أهلي الطيبين وزملائي وإخواني، فالله أسأله أن يجزيهم عني خير الجزاء ويجعل ذلك لهم في ميزان حسناتهم آمين.
داللحويون ينتسبون إلى لحية بن حمد بن رافع فهم رفاعية جهنية أبناء عمومة القواسمة والحلاوين والبشاقرة والشبارقة والكماتير والحمدة والعقليين والعسيلات والعركيين وبني حسين ( رفاعة الهوي ) ، يقيمون بشرق السودان في ولايتي القضارف وكسلا(اكثرمن مائة قرية على ضفاف نهري عطبره وسيتيت بطول الحدودالمتاخمة لاثيوبيا وارتريا فضلا عن قرى مشروع حلفا الجديدة) كما انها تمتاز بثروة حيوانية ضخمة ونشاط تجاري وزراعي ولذلك تمثل قوة اقتصادية وبشرية مطلقةبالمنطقة.
والجدير بالذكر ان رايات القبيلة رفرفت عالية في مقدمة جيوش الدولة المهدية منذ قرن ونيف من الزمان لارساء دعائم الدين الحنيف ووحدة تراب الوطنوتطهيره من دنس المستعمر الإنجليزي البغيض .
المعروف عن اللحويين أنهم يحترفون الشجاعة والكرم أكثر من تربية الإبل والضأن وهم كأسلافهم في جزيرةالعرب . يسكنهم الشعر كالشاعر(تقلي أمحمد زين) الذي بدأ يقرض الشعر في الثلاثين من عمره لحظتها تعلق قلبه بحب (الساره المكناة أم عيسى) ، تقلي جمع بعض أشعاره وحققها الأستاذ ميرغني محمد ديشاب النوبي الحلفاوي قبل أكثرمن عقدين يقول أمحمد زين متغزلاً في أم عيسى :
جيـدك جيـد ظبياً متطرد حُـزاز
وروبتك ريش هضاليم الخلا الفزاز
بـي حشـمة نزاهة طبـعك المتتاز
فـوقك هيبـة التـاج الملوكوعزاز
ويقول
عناق الريل الرسـت
بلدها بعيد اتمـست
كبدي عليها انقصت
بالكركارانعَسَّـت
وبالمـحلب تتمشط
د/عثمان محمد دفع الله القُرجي