وهنا لابد من الاشارة الى مفارقة في معنى كلمة التوكل ، وكلمة التواكل ، فليست الاولى كالثانية ، فالتوكل هو الفاعلية والحيوية والعطاء ، بينما التواكل يعني التقاعس والخلود الى الراحة والنوم والجلوس في البيت ، ومن هذا التواكل ما يعكسه لنا القران على لسان قوم موسى في قوله : "قالوا يا موسى انا لن ندخلها ابدا ماداموا فيها فاذهب انت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون " (9) ، وهذا المنطق مرفوض في الاسلام والقران ، فشتان مـا بيـن المعنيين ؛ التوكل والتواكل ، فقد كان الامر الالهي ان يجعلوا بيوتهم متقابلة ، ويقيموا فيها مجتمعهم الايماني بعيدا عن مجتمع فرعون الوثني :
" واجعلوا بيوتكم قبلة واقيموا الصلاة وبشر المؤمنين " (10) .
فالصلاة والتأكيد والمواظبة عليها كل ذلك ينم عن الحيوية والخير والبشرى وتحقق الامال العظام ، وتفتح آفاق العمل والحركة والنشاط ، وعندما اتبعوا هذا النهج ذاعت كلمتهم وانتشرت ، وقويت شوكتهم حتى كانت لهم السيادة في الارض بعد هلاك فرعون وجنوده .
من هنا يجدربكل من يحمل راية العمل في سبيل الله ان يعتبر من ذلك كله وان لاتثبط عزيمته وسعيه الجهادي تلك التراجعات البسيطة ، والتعثر المحدود في المسيرة ، وان حدث ذلك فيجب ان لايتحول الى تراجع نفسي خطير امام المشاكل والصعاب ، وفي الوقت ذاته يجب ان لايصيبنا داء الغرور عندما نجني بعض ثمار النصر لان هذا النصر انما هو من الله - تعالى - وبقوته لابقوة انفسنا وحولها .
ومادمنا واثقين به - سبحانه - ، وسلطانه اللامتناهي فلايجب ان ننهزم نفسيا عندما نمنى بنكسات . بل يجب ان نواصل العمل والجهاد لأننا مؤمنون بالله ومتوكلون عليه ، وهذا هو محك التوكل الحقيقي وهو عدم الانهزام النفسي والروحي .
وعلى هذا يجب ان لاتموت هذه الروح فينا وتغادر انفسنا حتى في احلك الظروف ، واقسى الحالات ، فيجب ان يبقى املنا بالله حيا وان كبلنا بالاغلال ، وقطعنا بسيوف الحقد ، فالذي يتوكـل على الله حقا تذلل امامه كل الصعاب ، ويعيش ويموت شجاعا متحديا اياها .