هجاء الخطيئة
رأى الحطيئة وجهه في بئر فقال:
أرى لي وجهاً قبح اّلله خلقه * فقبح من وجهٍ وقبح حامله
ولهذا خبر؛ ذكرت الرواة: أن الزبرقان بن بدر استعدى على الحطيئة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وقال: هجاني بقوله:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها * واقعد فإّنك أنت الطاعم الكاسي
فقال عمر: ما أرى هذا هجاءً؛ وكان أعلم بذلك من كل أحد، ولكنه أراد درء الحدود بالشبهات. فقال
الزبرقان: هذا حسان بن ثابت. فقال: علي بحسان، فأنشده الشعر. فقال: ما هجاه يا أمير المؤمنين ولكن
سلح عليه ! فأحضر الحطيئة، وقال: هات الشفرة أقطع لسانه ؟ فاستشفع فيه فحبسه، فكتب إليه من
الحبس:
ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخ * زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
غادرت كاسبهم في قعر مظلمة * فاغفر هداك مليك الناس يا عمر
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه * ألقت إليك مقاليد النهى البشر
لم يؤثروك بها إذ قدموك لها * لكن لأنفسهم كانت لها الأُثر
فبكى عمر وأحضره. فقال: قد والله يا أمير المؤمنين هجوت أبي وامرأتي وأمي. قال: وكيف ذلك ؟ قال
قلت لأبي:
ولقد رأيتك في المنام فسؤتني * وأبا بنيك فساءني في المجلس
وقلت لأمي:
تن حي فاجلسي مني بعيداً * أراح الّله منك العالمينا
أغربالاً إذا استودعت سراً * وكانوناً على المتحدثينا
وقلت لامرأتي:
أطوف ما أُطوف ثم آوي * إلى بيت قعيدته لكاع
واطلعت في بئر فرأيت وجهي قبيحاً فقلت:
أبت شفتاي اليوم إ ّ لا تكّلما بسوءٍ فلا أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجهاً قبح الّله خلقه * فقبح من وجهٍ وقبح حامله
من كتاب جمع الجواهر في الملح والنوادر-الحصري